يحكى أن رجلاً ضاقت به سبل العيش فقرر أن يسافر بحثًا عن الرزق، فترك بيته وأهله وسار بعيدًا حتى قادته الخطى إلى بيت أحد التجار. رحب التاجر بالرجل وأكرمه، وعندما عرف حاجته، عرض عليه العمل عنده في رعاية الإبل. قبل الرجل العرض وعمل بجد وأمانة لعدة سنوات.
بعد سنوات من الغربة والعمل، اشتاق الرجل إلى بيته وأهله، فأخبر التاجر برغبته في العودة إلى بلده. حزِن التاجر على فراقه لصدقه وأمانته، فكافأه وأعطاه بعضًا من الإبل والماشية. بدأ الرجل رحلته الطويلة عائدًا إلى وطنه، وفي طريقه عبر الصحراء القاحلة، صادف شيخًا جالسًا على قارعة الطريق بجوار خيمة.
حيّاه الرجل وسأله عما يفعله في هذا المكان الخالي تحت حر الشمس. أجاب الشيخ بأنه يعمل في التجارة. تعجب الرجل وسأله عن نوع هذه التجارة. أجاب الشيخ: "أنا أبيع نصائح." استغرب الرجل وسأله عن ثمن النصيحة، فأجاب الشيخ: "كل نصيحة بجمل."
تفكر الرجل في ثمن النصيحة الباهظ، ولكنه في النهاية قرر شراء نصيحة. قال له الشيخ: "إذا طلع سهيل، لا تأمن للسيل." لم يفهم الرجل فائدة هذه النصيحة في الصحراء، لكنه دفع الجمل وأخذ النصيحة.
طلب الرجل نصيحة أخرى، فدفع جملًا آخر مقابل نصيحة: "لا تأمن لأبو عيون زرق وأسنان فرق." تأمل الرجل النصيحة ولم يجد فيها فائدة تذكر.
أخيرًا، طلب الرجل نصيحة ثالثة، فقال الشيخ: "نام على الندم ولا تنام على الدم." دفع الرجل الجمل الثالث، وأخذ نصيحته وانطلق في طريقه، وقد أرهقه التعب ونسى النصائح في زحام الأفكار.
في أحد الأيام، وصل إلى قوم نصبوا خيامهم في قاع وادٍ كبير. بات عندهم، وبينما كان يتأمل النجوم، شاهد نجم سهيل فتذكر نصيحة الشيخ. قام مسرعًا وأيقظ صاحب البيت ليخبره بضرورة مغادرة الوادي، لكن صاحب البيت لم يكترث له. قرر الرجل أن يبيت على مكان مرتفع بعيدًا عن الوادي. في الليل، هطل المطر بغزارة وجاء السيل فاجتاح الوادي وهدم البيوت.
تابع الرجل رحلته حتى وصل إلى بيت في الصحراء. رحب به صاحب البيت بحرارة، لكن الرجل لاحظ أن المضيف له عيون زرقاء وأسنان متفرقة. تذكر نصيحة الشيخ، وقرر أن يبيت خارج البيت بجوار إبله وأغنامه، ووضع حجارة تحت لحافه، ثم راقب المضيف. في الليل، اقترب المضيف بسيفه وضرب اللحاف الذي كان يظن أن الرجل ينام تحته، لكن الرجل كان يقف خلفه وضربه بسيفه وقتله.
واصل الرجل رحلته حتى وصل إلى قريته. دخل بيته ليلاً فوجد زوجته نائمة بجوار رجل. غضب الرجل ووضع يده على حسامه ليقتلهما، لكنه تذكر نصيحة الشيخ "نام على الندم ولا تنام على الدم." هدأ الرجل وخرج من البيت حتى الصباح.
في الصباح، عرف الناس بعودته ورحبوا به. اكتشف أن الشاب الذي كان نائمًا بجوار زوجته هو ابنه الذي كبر خلال فترة غيابه. حمد الله على أنه لم يقتلهم، وقال في نفسه: "حقًا، كل نصيحة أحسن من جمل."
الخلاصة
هذه القصة تحمل رسالة عميقة عن أهمية النصيحة وقيمتها، وكيف يمكن أن تنقذ حياة الإنسان وتجنبه الأخطاء الكبيرة. النصيحة تُعد ثروة ثمينة تفوق قيمتها المادية.
0 تعليقات